فصل: فصل: يخرج مع المرأة محرمها حتى يسكنها في موضع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ويخرج مع المرأة محرمها حتى يسكنها في موضع‏,‏ ثم إن شاء رجع إذا أمن عليها وإن شاء أقام معها حتى يكمل حولها وإن أبى الخروج معها بذلت له الأجرة قال أصحابنا‏:‏ وتبذل من مالها لأن هذا من مؤنة سفرها ويحتمل أن لا يجب ذلك عليها لأن الواجب عليها التغرب بنفسها‏,‏ فلم يلزمها زيادة عليه كالرجل ولأن هذا من مؤنة إقامة الحد فلم يلزمها‏,‏ كأجرة الجلاد فعلى هذا تبذل الأجرة من بيت المال وعلى قول أصحابنا إن لم يكن لها مال بذلت من بيت المال فإن أبى محرمها الخروج معها‏,‏ لم يجبر وإن لم يكن لها محرم غربت مع نساء ثقات والقول في أجرة من يسافر معها منهن‏,‏ كالقول في أجرة المحرم فإن أعوز فقد قال أحمد‏:‏ تبقى بغير محرم وهو قول الشافعي لأنه لا سبيل إلى تأخيره فأشبه سفر الهجرة والحج إذا مات محرمها في الطريق ويحتمل أن يسقط النفي‏,‏ إذا لم تجد محرما كما يسقط سفر الحج إذا لم يكن لها محرم‏,‏ فإن تغريبها إغراء لها بالفجور وتعريض لها للفتنة وعموم الحديث مخصوص بعموم النهي عن سفرها بغير محرم‏.‏

فصل‏:‏

ويجب أن يحضر الحد طائفة من المؤمنين لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 2‏]‏‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ والطائفة واحد فما فوقه وهذا قول ابن عباس‏,‏ ومجاهد والظاهر أنهم أرادوا واحدا مع الذي يقيم الحد لأن الذي يقيم الحد حاصل ضرورة فيتعين صرف الأمر إلى غيره وقال عطاء وإسحاق‏:‏ اثنان فإن أراد به واحدا مع الذي يقيم الحد‏,‏ فهو مثل القول الأول وإن أراد اثنين غيره فوجهه أن الطائفة اسم لما زاد على الواحد‏,‏ وأقله اثنان وقال الزهري‏:‏ ثلاثة لأن الطائفة جماعة وأقل الجمع ثلاثة وقال مالك‏:‏ أربعة لأنه العدد الذي يثبت به الزنى وللشافعي‏,‏ قولان كقول الزهري ومالك وقال ربيعة‏:‏ خمسة وقال الحسن‏:‏ عشرة وقال قتادة‏:‏ نفر واحتج أصحابنا بقول ابن عباس ولأن اسم الطائفة يقع على الواحد‏,‏ بدليل قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 9‏]‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏فأصلحوا بين أخويكم‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 10‏]‏‏.‏ وقيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 66‏]‏‏.‏ ‏:‏إنه مخشى بن حمير وحده ولا يجب أن يحضر الإمام ولا الشهود وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال أبو حنيفة‏:‏ إن ثبت الحد ببينة‏,‏ فعليها الحضور والبداءة بالرجم وإن ثبت باعتراف‏,‏ وجب على الإمام الحضور والبداءة بالرجم لما روى عن على ـ رضي الله عنه ـ أنه قال‏:‏ الرجم رجمان فما كان منه بإقرار‏,‏ فأول من يرجم الإمام ثم الناس وما كان ببينة‏,‏ فأول من يرجم البينة ثم الناس رواه سعيد بإسناده ولأنه إذا لم تحضر البينة ولا الإمام‏,‏ كان ذلك شبهة والحد يسقط بالشبهات ولنا ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضرهما‏)‏ والحد ثبت باعترافهما وقال‏:‏ ‏(‏يا أنيس اذهب إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‏)‏ ولم يحضرها ولأنه حد‏,‏ فلم يلزم أن يحضره الإمام ولا البينة كسائر الحدود‏,‏ ولا نسلم أن تخلفهم عن الحضور ولا امتناعهم من البداءة بالرجم شبهة وأما قول على رضي الله عنه فهو على سبيل الاستحباب والفضيلة قال أحمد‏:‏ سنة الاعتراف أن يرجم الإمام ثم الناس ولا نعلم خلافا في استحباب ذلك‏,‏ والأصل فيه قول على رضي الله عنه وقد روى في حديث رواه أبو بكر‏,‏ عن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة ثم رماها بحصاة مثل الحمصة‏,‏ ثم قال‏:‏ ارموا واتقوا الوجه‏)‏ أخرجه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏

ولا يقام الحد على حامل حتى تضع سواء كان الحمل من زنى أو غيره لا نعلم في هذا خلافا قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن الحامل لا ترجم حتى تضع وقد روى بريدة ‏(‏أن امرأة من بني غامد قالت‏:‏ يا رسول الله‏,‏ طهرني قال‏:‏ وما ذاك‏؟‏ قالت‏:‏ إنها حبلى من زنى قال‏:‏ أنت‏؟‏ قالت‏:‏ نعم فقال لها‏:‏ ارجعي حتى تضعين ما في بطنك قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال‏:‏ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ قد وضعت الغامدية فقال‏:‏ إذا لا نرجمها‏,‏ وندع ولدها صغيرا ليس له من ترضعه فقام رجل من الأنصار فقال‏:‏ إلى إرضاعه يا نبي الله قال‏:‏ فرجمها‏)‏ رواه مسلم‏,‏ وأبو داود وروى أن امرأة زنت في أيام عمر رضي الله عنه فهم عمر برجمها وهي حامل فقال له معاذ‏:‏ إن كان لك سبيل عليها فليس لك سبيل على حملها فقال‏:‏ عجز النساء أن يلدن مثلك ولم يرجمها وعن على مثله ولأن في إقامة الحد عليها في حال حملها إتلافا لمعصوم‏,‏ ولا سبيل إليه وسواء كان الحد رجما أو غيره لأنه لا يؤمن تلف الولد من سراية الضرب والقطع‏,‏ وربما سرى إلى نفس المضروب والمقطوع فيفوت الولد بفواته فإذا وضعت الولد فإن كان الحد رجما‏,‏ لم ترجم حتى تسقيه اللبأ لأن الولد لا يعيش إلا به ثم إن كان له من يرضعه أو تكفل أحد برضاعه رجمت‏,‏ وإلا تركت حتى تفطمه لما ذكرنا من حديث الغامدية ولما روى أبو داود بإسناده عن بريدة ‏(‏أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت‏:‏ إني فجرت فوالله إني لحبلى فقال لها‏:‏ ارجعي حتى تلدي فرجعت‏,‏ فلما ولدت أتته بالصبي فقال‏:‏ ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه فجاءت به وقد فطمته‏,‏ وفي يده شيء يأكله فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين‏,‏ فأمر بها فحفر لها وأمر بها فرجمت وأمر بها فصلى عليها ودفنت‏)‏ وإن لم يظهر حملها‏,‏ لم تؤخر لاحتمال أن تكون حملت من الزنى ‏(‏لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم اليهودية والجهنية ولم يسأل عن استبرائهما‏)‏ وقال لأنيس‏:‏ ‏(‏اذهب إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‏)‏ ولم يأمره بسؤالها عن استبرائها ورجم على شراحة‏,‏ ولم يستبرئها وإن ادعت الحمل قبل قولها كما قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - قول الغامدية وإن كان الحد جلدا فإذا وضعت الولد‏,‏ وانقطع النفاس وكانت قوية يؤمن تلفها أقيم عليها الحد‏,‏ وإن كانت في نفاسها أو ضعيفة يخاف تلفها لم يقم عليها الحد حتى تطهر وتقوى وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة وذكر القاضي‏,‏ أنه ظاهر كلام الخرقي وقال أبو بكر‏:‏ يقام عليها الحد في الحال بسوط يؤمن معه التلف فإن خيف عليها من السوط‏,‏ أقيم بالعثكول يعني شمراخ النخل وأطراف الثياب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بضرب المريض الذي زنى فقال‏:‏ ‏(‏خذوا له مائة شمراخ‏,‏ فاضربوه بها ضربة واحدة‏)‏ ولنا ما روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏إن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت فأمرني أن أجلدها‏,‏ فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ أحسنت‏)‏ رواه مسلم‏,‏ والنسائي وأبو داود ولفظه قال‏:‏ ‏(‏فأتيته‏,‏ فقال‏:‏ يا علي أفرغت‏؟‏ فقلت‏:‏ أتيتها ودمها يسيل فقال‏:‏ دعها حتى ينقطع عنها الدم ثم أقم عليها الحد‏)‏ وفي حديث أبي بكرة ‏(‏أن المرأة انطلقت‏,‏ فولدت غلاما فجاءت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها‏:‏ انطلقي فتطهري من الدم‏)‏ رواه أبو داود ولأنه لو توالى عليه حدان‏,‏ فاستوفي أحدهما لم يستوف الثاني حتى يبرأ من الأول ولأن في تأخيره إقامة الحد على الكمال‏,‏ من غير إتلاف فكان أولى‏.‏

فصل‏:‏

والمريض على ضربين أحدهما يرجى برؤه‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ يقام عليه الحد ولا يؤخر كما قال أبو بكر في النفساء وهذا قول إسحاق وأبي ثور‏,‏ لأن عمر رضي الله عنه أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يؤخره وانتشر ذلك في الصحابة‏,‏ فلم ينكروه فكان إجماعا ولأن الحد واجب فلا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة قال القاضي‏:‏ وظاهر قول الخرقي تأخيره لقوله فيمن يجب عليه الحد‏:‏ وهو صحيح عاقل وهذا قول أبي حنيفة‏,‏ ومالك والشافعي لحديث علي ـ رضي الله عنه ـ في التي هي حديثة عهد بنفاس وما ذكرناه من المعنى وأما حديث عمر في جلد قدامة‏,‏ فإنه يحتمل أنه كان مرضا خفيفا لا يمنع من إقامة الحد على الكمال ولهذا لم ينقل عنه أنه خفف عنه في السوط‏,‏ وإنما اختار له سوطا وسطا كالذي يضرب به الصحيح ثم إن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقدم على فعل عمر‏,‏ مع أنه اختيار على وفعله وكذلك الحكم في تأخيره لأجل الحر والبرد المفرط الضرب الثاني‏:‏ المريض الذي لا يرجى برؤه فهذا يقام عليه الحد في الحال ولا يؤخر بسوط يؤمن معه التلف‏,‏ كالقضيب الصغير وشمراخ النخل فإن خيف عليه من ذلك‏,‏ جمع ضغث فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة وبهذا قال الشافعي وأنكر مالك هذا وقال‏:‏ قد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 2‏]‏‏.‏ وهذا جلدة واحدة ولنا‏,‏ ما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف ‏(‏عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا منهم اشتكى حتى ضنى فدخلت عليه امرأة فهش لها فوقع بها‏,‏ فسئل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه ضربة واحدة‏)‏ رواه أبو داود والنسائي وقال ابن المنذر‏:‏ في إسناده مقال ولأنه لا يخلو من أن يقام الحد على ما ذكرنا أو لا يقام أصلا‏,‏ أو يضرب ضربا كاملا لا يجوز تركه بالكلية لأنه يخالف الكتاب والسنة ولا يجوز جلده جلدا تاما لأنه يفضي إلى إتلافه فتعين ما ذكرناه وقولهم‏:‏ هذا جلدة واحدة قلنا‏:‏ يجوز أن يقام ذلك في حال العذر مقام مائة كما قال الله تعالى في حق أيوب‏:‏ ‏{‏وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 44‏]‏‏.‏ وهذا أولى من ترك حده بالكلية‏,‏ أو قتله بما لا يوجب القتل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا زنى العبد والأمة جلد كل واحد منهما خمسين جلدة ولم يغربا‏]‏

وجملته أن حد العبد والأمة خمسون جلدة بكرين كانا أو ثيبين في قول أكثر الفقهاء منهم عمر‏,‏ وعلي وابن مسعود والحسن‏,‏ والنخعي ومالك والأوزاعي‏,‏ وأبو حنيفة والشافعي والبتي والعنبري وقال ابن عباس‏,‏ وطاوس وأبو عبيد‏:‏ إن كانا مزوجين فعليهما نصف الحد ولا حد على غيرهما لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏‏.‏ فدليل خطابه أنه لا حد على غير المحصنات وقال داود على الأمة نصف الحد إذا زنت بعدما زوجت‏,‏ وعلى العبد جلد مائة بكل حال وفي الأمة إذا لم تزوج روايتان ‏؟‏ إحداهما لا حد عليها والأخرى‏,‏ تجلد مائة لأن قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‏}‏ ‏[‏النور‏:‏2‏]‏‏.‏ عام خرجت منه الأمة المحصنة بقوله‏:‏ ‏{‏فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏‏.‏ فيبقى العبد والأمة التي لم تحصن على مقتضى العموم ويحتمل دليل الخطاب في الأمة أن لا حد عليها لقول ابن عباس وقال أبو ثور‏:‏ إذا لم يحصنا بالتزويج‏,‏ فعليهما نصف الحد وإن أحصنا فعليهما الرجم لعموم الأخبار فيه ولأنه حد لا يتبعض‏,‏ فوجب تكميله كالقطع في السرقة ولنا ما روى ابن شهاب‏,‏ عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وسئل‏,‏ قالوا‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال‏:‏ إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها‏,‏ ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير‏)‏ متفق عليه قال ابن شهاب‏:‏ وهذا نص في جلد الأمة إذا لم تحصن وهو حجة على ابن عباس‏,‏ وموافقيه وداود وجعل داود عليها مائة إذا لم تحصن وخمسين إذا كانت محصنة خلاف ما شرع الله تعالى‏,‏ فإن الله ضاعف عقوبة المحصنة على غيرها فجعل الرجم على المحصنة والجلد على البكر وداود ضاعف عقوبة البكر على المحصنة‏,‏ واتباع شرع الله أولى وأما دليل الخطاب فقد روي عن ابن مسعود رحمة الله عليه‏,‏ أنه قال‏:‏ إحصانها إسلامها وأقراؤها بفتح الألف ثم دليل الخطاب إنما يكون دليلا إذا لم يكن للتخصيص بالذكر فائدة سوى اختصاصه بالحكم ومتى كانت له فائدة أخرى‏,‏ لم يكن دليلا مثل أن يخرج مخرج الغالب أو للتنبيه‏,‏ أو لمعنى من المعاني وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 23‏]‏‏.‏ ولم يختص التحريم باللاتي في حجوركم وقال‏:‏ ‏(‏وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم‏)‏ وحرم حلائل الأبناء من الرضاع وأبناء الأبناء وقال‏:‏ ‏{‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 101‏]‏‏.‏ وأبيح القصر بدون الخوف وأما العبد فلا فرق بينه وبين الأمة‏,‏ فالتنصيص على أحدهما يثبت حكمه في حق الآخر كما أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏من أعتق شركا له في عبد‏)‏ ثبت حكمه في حق الأمة ثم إن المنطوق أولى منه على كل حال وأما أبو ثور‏,‏ فخالف نص قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏‏.‏ وعمل به فيما لم يتناوله النص وخرق الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات كما خرق داود الإجماع في تكميل الجلد على العبيد‏,‏ وتضعيف حد الأبكار على المحصنات‏.‏

فصل‏:‏

ولا تغريب على عبد ولا أمة وبهذا قال الحسن وحماد ومالك وإسحاق وقال الثوري‏,‏ وأبو ثور‏:‏ يغرب نصف عام لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏‏.‏ وحد ابن عمر مملوكة له ونفاها إلى فدك وعن الشافعي قولان كالمذهبين واحتج من أوجبه بعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‏)‏ ولنا‏,‏ الحديث المذكور في حجتنا ولم يذكر فيه تغريبا ولو كان واجبا لذكره لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقته‏,‏ وحديث على رضي الله عنه ‏(‏أنه قال‏:‏ يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم‏,‏ ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت فأمرني أن أجلدها‏)‏ وذكر الحديث رواه أبو داود ولم يذكر أنه غربها وأما الآية‏,‏ فإنها حجة لنا لأن العذاب المذكور في القرآن مائة جلدة لا غير فينصرف التنصيف إليه دون غيره بدليل أنه لم ينصرف إلى تنصيف الرجم ولأن التغريب في حق العبد عقوبة لسيده دونه‏,‏ فلم يجب في الزنى كالتغريم بيان ذلك‏,‏ أن العبد لا ضرر عليه في تغريبه لأنه غريب في موضعه ويترفه بتغريبه من الخدمة ويتضرر سيده بتفويت خدمته‏,‏ والخطر بخروجه من تحت يده والكلفة في حفظه والإنفاق عليه مع بعده عنه‏,‏ فيصير الحد مشروعا في حق غير الزاني والضرر على غير الجاني وما فعل ابن عمر‏,‏ ففي حق نفسه وإسقاط حقه وله فعل ذلك من غير زنى ولا جناية فلا يكون حجة في حق غيره

فصل‏:‏

وإذا زنى العبد‏,‏ ثم عتق حد حد الرقيق لأنه إنما يقام عليه الحد الذي وجب عليه ولو زنى حر ذمي ثم لحق بدار الحرب‏,‏ ثم سبى واسترق حد حد الأحرار لأنه وجب عليه وهو حر ولو كان أحد الزانيين رقيقا والآخر حرا‏,‏ فعلى كل واحد منهما حده ولو زنى بكر بثيب حد كل واحد منهما حده لأن كل واحد منهما إنما تلزمه عقوبة جنايته ولو زنى بعد العتق وقبل العلم به‏,‏ فعليه حد الأحرار لأنه زنى وهو حر وإن أقيم عليه حد الرقيق قبل العلم بحريته ثم علمت بعد تمم عليه حد الأحرار وإن عفا السيد عن عبده لم يسقط عنه الحد‏,‏ في قول عامة أهل العلم إلا الحسن قال‏:‏ يصح عفوه وليس بصحيح لأنه حق لله تعالى‏,‏ فلا يسقط بإسقاط سيده كالعبادات وكالحر إذا عفا عنه الإمام‏.‏

فصل‏:‏

وللسيد إقامة الحد بالجلد على رقيقه القن‏,‏ في قول أكثر العلماء روى نحو ذلك عن على وابن مسعود وابن عمر‏,‏ وأبي حميد وأبي أسيد الساعديين وفاطمة ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلقمة والأسود‏,‏ والزهري وهبيرة بن مريم وأبي ميسرة‏,‏ ومالك والثوري والشافعي‏,‏ وأبي ثور وابن المنذر وقال ابن أبي ليلى‏:‏ أدركت بقايا الأنصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم الحدود إذا زنوا وعن الحسن بن محمد أن فاطمة حدت جارية لها زنت وعن إبراهيم‏,‏ أن علقمة والأسود كانا يقيمان الحدود على من زنى من خدم عشائرهم روى ذلك سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ وقال أصحاب الرأي‏:‏ ليس له ذلك لأن الحدود إلى السلطان ولأن من لا يملك إقامة الحد على الحر لا يملكه على العبد‏,‏ كالصبي ولأن الحد لا يجب إلا ببينة أو إقرار ويعتبر لذلك شروط‏,‏ من عدالة الشهود ومجيئهم مجتمعين أو في مجلس واحد‏,‏ وذكر حقيقة الزنى وغير ذلك من الشروط التي تحتاج إلى فقيه يعرفها ويعرف الخلاف فيها‏,‏ والصواب منها وكذلك الإقرار فينبغي أن يفوض ذلك إلى الإمام أو نائبه‏,‏ كحد الأحرار ولأنه حد هو حق لله تعالى فيفوض إلى الإمام‏,‏ كالقتل والقطع ولنا ما روى سعيد حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد‏,‏ عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا زنت أمة أحدكم فتيقن زناها فليجلدها‏,‏ ولا يثرب بها فإن عادت فليجلدها‏,‏ ولا يثرب بها فإن عادت فليجلدها ولا يثرب بها‏,‏ فإن عادت الرابعة فليجلدها وليبعها ولو بضفير‏)‏ وقال‏:‏ حدثنا أبو الأحوص‏,‏ حدثنا عبد الأعلى عن أبي جميلة عن علي‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم‏)‏‏.‏ رواه الدارقطني ولأن السيد يملك تأديب أمته وتزويجها فملك إقامة الحد عليها كالسلطان‏,‏ وفارق الصبي‏.‏

إذا ثبت هذا فإنما يملك إقامة الحد بشروط أربعة أحدها أن يكون جلدا كحد الزنى والشرب‏,‏ وحد القذف فأما القتل في الردة والقطع في السرقة‏,‏ فلا يملكها إلا الإمام وهذا قول أكثر أهل العلم وفيهما وجه آخر أن السيد يملكها وهو ظاهر مذهب الشافعي لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم‏)‏ وروى أن ابن عمر قطع عبدا سرق وكذلك عائشة وعن حفصة أنها قتلت أمة لها سحرتها ولأن ذلك حد أشبه الجلد وقال القاضي‏:‏ كلام أحمد يقتضي أن في قطع السارق روايتين ولنا أن الأصل تفويض الحد إلى الإمام لأنه حق لله تعالى‏,‏ فيفوض إلى نائبه كما في حق الأحرار ولما ذكره أصحاب أبي حنيفة‏,‏ وإنما فوض إلى السيد الجلد خاصة لأنه تأديب والسيد يملك تأديب عبده وضربه على الذنب‏,‏ وهذا من جنسه وإنما افترقا في أن هذا مقدر والتأديب غير مقدر‏,‏ وهذا لا أثر له في منع السيد منه بخلاف القطع والقتل فإنهما إتلاف لجملته أو بعضه الصحيح‏,‏ ولا يملك السيد هذا من عبده ولا شيئا من جنسه والخبر الوارد في حد السيد عبده‏,‏ إنما جاء في الزني خاصة وإنما قسنا عليه ما يشبهه من الجلد وقوله‏:‏ ‏(‏أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم‏)‏ إنما جاء في سياق الجلد في الزنى فإن أول الحديث عن على قال‏:‏ ‏(‏أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمة لهم فجرت‏,‏ فأرسلني إليها فقال‏:‏ اجلدها الحد قال‏:‏ فانطلقت فوجدتها لم تجف من دمها‏,‏ فرجعت إليه فقال‏:‏ أفرغت‏؟‏ فقلت‏:‏ وجدتها لم تجف من دمها قال‏:‏ إذا جفت من دمها فاجلدها الحد‏,‏ وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم‏)‏ فالظاهر أنه إنما أراد ذلك الحد وشبهه وأما فعل حفصة فقد أنكره عثمان عليها وشق عليه‏,‏ وقوله أولى من قولها وما روي عن ابن عمر فلا نعلم ثبوته عنه الشرط الثاني‏:‏ أن يختص السيد بالمملوك فإن كان مشتركا بين اثنين‏,‏ أو كانت الأمة مزوجة أو كان المملوك مكاتبا أو بعضه حرا‏,‏ لم يملك السيد إقامة الحد عليه وقال مالك والشافعي‏:‏ يملك السيد إقامة الحد على الأمة المزوجة لعموم الخبر ولأنه مختص بملكها وإنما يملك الزوج بعض نفعها‏,‏ فأشبهت المستأجرة ولنا ما روي عن ابن عمر أنه قال‏:‏ إذا كانت الأمة ذات زوج‏,‏ رفعت إلى السلطان وإن لم يكن لها زوج جلدها سيدها نصف ما على المحصن ولم نعرف له مخالفا في عصره‏,‏ فكان إجماعا ولأن نفعها مملوك لغيره مطلقا أشبهت المشتركة ولأن المشترك إنما منع من إقامة الحد عليه‏,‏ لأنه يقيمه في غير ملكه فإن الجزء الحر أو المملوك لغيره ليس بمملوك له‏,‏ وهو يقيم الحد عليه وهذا يشبهه لأن محل الحد هو محل استمتاع الزوج وهو بدنها فلا يملكه‏,‏ والخبر مخصوص بالمشترك فنقيس عليه والمستأجرة إجارتها مؤقتة تنقضي ويحتمل أن نقول‏:‏ لا يملك إقامته عليها في حال إجارتها لأنه ربما أفضى إلى تفويت حق المستأجر‏,‏ وكذلك الأمة المرهونة يخرج فيها وجهان الشرط الثالث‏:‏ أن يثبت الحد ببينة أو اعتراف فإن ثبت باعتراف‏,‏ فللسيد إقامته إذا كان يعرف الاعتراف الذي يثبت به الحد وشروطه وإن ثبت ببينة‏,‏ اعتبر أن يثبت عند الحاكم لأن البينة تحتاج إلى البحث عن العدالة ومعرفة شروط سماعها ولفظها ولا يقوم بذلك إلا الحاكم وقال القاضي يعقوب‏:‏ إن كان السيد يحسن سماع البينة‏,‏ ويعرف شروط العدالة جاز أن يسمعها ويقيم الحد بها‏,‏ كما يقيمه بالإقرار وهذا ظاهر نص الشافعي لأنها أحد ما يثبت به الحد فأشبهت الإقرار ولا يقيم السيد الحد بعلمه وهذا قول مالك لأنه لا يقيمه الإمام بعلمه فالسيد أولى‏,‏ فإن ولاية الإمام للحد أقوى من ولاية السيد لكونها متفقا عليها وثابتة بالإجماع فإذا لم يثبت الحد في حقه بالعلم‏,‏ فهاهنا أولى وعن أحمد رواية أخرى أنه يقيمه بعلمه لأنه قد ثبت عنده‏,‏ فملك إقامته كما لو أقر به ويفارق الحاكم لأن الحاكم متهم‏,‏ ولا يملك محل إقامته وهذا بخلافه الشرط الرابع أن يكون السيد بالغا عاقلا عالما بالحدود وكيفية إقامتها لأن الصبي والمجنون ليسا من أهل الولايات‏,‏ والجاهل بالحد لا يمكنه إقامته على الوجه الشرعي فلا يفوض إليه وفي الفاسق وجهان أحدهما لا يملكه لأن هذه ولاية فنافاها الفسق‏,‏ كولاية التزويج والثاني‏:‏ يملكه لأن هذه ولاية استفادها بالملك فلم ينافها الفسق كبيع العبد وإن كان مكاتبا ففيه احتمالان أحدهما لا يملكه لأنه ليس من أهل الولاية والثاني‏:‏ يملكه لأنه يستفاد بالملك‏,‏ فأشبه سائر تصرفاته وفي المرأة أيضا احتمالان أحدهما لا تملكه لأنها ليست من أهل الولايات والثاني‏:‏ تملكه لأن فاطمة جلدت أمة لها وعائشة قطعت أمة لها سرقت‏,‏ وحفصة قتلت أمة لها سحرتها ولأنها مالكة تامة الملك من أهل التصرفات أشبهت الرجل وفيه وجه ثالث أن الحد يفوض إلى وليها لأنه يزوج أمتها ومولاتها فملك إقامة الحد على مملوكتها‏.‏

فصل‏:‏

وإن فجر بأمة‏,‏ ثم قتلها فعليه الحد وقيمتها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي‏,‏ وأبو ثور وقال أبو يوسف‏:‏ إذا أوجبت عليه قيمتها أسقطت الحد عنه لأنه يملكها بغرامته لها‏,‏ فيكون ذلك شبهة في سقوط الحد ولنا أن الحد وجب عليه فلم يسقط بقتل المزني بها‏,‏ كما لو كانت حرة فغرم ديتها وقولهم‏:‏ إنه يملكها غير صحيح لأنه إنما غرمها بعد قتلها ولم يبق محلا للملك ثم لو ثبت أنه ملكها‏,‏ فإنما ملكها بعد وجوب الحد فلم يسقط عنه الحد كما لو اشتراها‏,‏ ولو زنى بأمة ثم اشتراها لم يسقط عنه‏,‏ الحد مع ثبوت حقيقة الملك له فهاهنا أولى ولو زنى بأمة‏,‏ ثم غصبها فأبقت من يده ثم غرمها‏,‏ لم يسقط عنه الحدان لأنه إذا لم يسقط بالملك المتفق عليه فبالمختلف فيه أولى‏.‏

فصل‏:‏

وإذا زنى من نصفه حر ونصفه رقيق‏,‏ فلا رجم عليه لأنه لم تكمل الحرية فيه وعليه نصف حد الحر خمسون جلدة ونصف حد العبد خمس وعشرون‏,‏ فيكون عليه خمس وسبعون جلدة ويغرب نصف عام نص عليه أحمد ويحتمل أن لا يغرب لأن حق السيد في جميعه في جميع الزمان ونصيبه من العبد لا تغريب عليه‏,‏ فلا يلزمه ترك حقه في بعض الزمان بما لا يلزمه ولا تأخير حقه بالمهايأة من غير رضاه وإن قلنا بوجوب تغريبه فينبغي أن يكون زمن التغريب محسوبا على العبد من نصيبه الحر‏,‏ وللسيد نصف عام بدلا عنه وما زاد من الحرية أو نقص منها فبحساب ذلك‏,‏ فإن كان فيها كسر مثل أن يكون ثلثه حرا فمقتضى ما ذكرناه أن يلزمه ثلثا جلد الحر وهو ست وستون جلدة وثلثان‏,‏ فينبغي أن يسقط الكسر لأن الحد متى دار بين الوجوب والإسقاط سقط والمدبر والمكاتب وأم الولد بمنزلة القن في الحد لأنه رقيق كله‏,‏ وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏المكاتب عبد ما بقي عليه درهم‏)‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والزاني من أتى الفاحشة من قبل أو دبر‏]‏

لا خلاف بين أهل العلم في أن من وطئ امرأة في قبلها حراما لا شبهة له في وطئها أنه زان يجب عليه حد الزنى‏,‏ إذا كملت شروطه والوطء في الدبر مثله في كونه زنى لأنه وطء في فرج امرأة لا ملك له فيها ولا شبهة ملك‏,‏ فكان زنى كالوطء في القبل ولأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 15‏]‏‏.‏ الآية ثم بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ‏(‏قد جعل الله لهن سبيلا‏:‏ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‏)‏ والوطء في الدبر فاحشة بقوله تعالى في قوم لوط‏:‏ ‏{‏أتأتون الفاحشة‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 80‏]‏‏.‏ يعني الوطء في أدبار الرجال‏,‏ ويقال‏:‏ أول ما بدأ قوم لوط بوطء النساء في أدبارهن ثم صاروا إلى ذلك في الرجال‏.‏

فصل‏:‏

وإن تزوج ذات محرمه فالنكاح باطل بالإجماع فإن وطئها‏,‏ فعليه الحد في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وجابر بن زيد ومالك والشافعي‏,‏ وأبو يوسف ومحمد وإسحاق‏,‏ وأبو أيوب وابن أبي خيثمة وقال أبو حنيفة والثوري‏:‏ لا حد عليه لأنه وطء تمكنت الشبهة منه‏,‏ فلم يوجب الحد كما لو اشترى أخته من الرضاع ثم وطئها وبيان الشبهة أنه قد وجدت صورة المبيح وهو عقد النكاح الذي هو سبب للإباحة‏,‏ فإذا لم يثبت حكمه وهو الإباحة بقيت صورته شبهة دارئة للحد الذي يندرئ بالشبهات ولنا أنه وطء في فرج امرأة‏,‏ مجمع على تحريمه من غير ملك ولا شبهة ملك والواطئ من أهل الحد‏,‏ عالم بالتحريم فيلزمه الحد كما لو لم يوجد العقد‏,‏ وصورة المبيح إنما تكون شبهة إذا كانت صحيحة والعقد ها هنا باطل محرم وفعله جناية تقتضي العقوبة‏,‏ انضمت إلى الزنى فلم تكن شبهة كما لو أكرهها‏,‏ وعاقبها ثم زنى بها ثم يبطل بالاستيلاء عليها‏,‏ فإن الاستيلاء سبب للملك في المباحات وليس بشبهة وأما إذا اشترى أخته من الرضاع فلنا فيه منع‏,‏ وإن سلمنا فإن الملك المقتضي للإباحة صحيح ثابت وإنما تخلفت الإباحة لمعارض‏,‏ بخلاف مسألتنا فإن المبيح غير موجود لأن عقد النكاح باطل والملك به غير ثابت فالمقتضي معدوم‏,‏ فافترقا فأشبه ما لو اشترى خمرا فشربه أو غلاما فوطئه إذا ثبت هذا‏,‏ فاختلف في الحد فروي عن أحمد أنه يقتل على كل حال وبهذا قال جابر بن زيد وإسحاق‏,‏ وأبو أيوب وابن أبي خيثمة وروى إسماعيل بن سعيد عن أحمد‏,‏ في رجل تزوج امرأة أبيه أو بذات محرم فقال‏:‏ يقتل ويؤخذ ماله إلى بيت المال والرواية الثانية‏,‏ حده حد الزاني وبه قال الحسن ومالك والشافعي لعموم الآية والخبر ووجه الأولى‏,‏ ما روى ‏(‏البراء قال‏:‏ لقيت عمي ومعه الراية فقلت‏:‏ إلى أين تريد‏؟‏ فقال‏:‏ بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه‏,‏ وآخذ ماله‏)‏ رواه أبو داود والجوزجاني وابن ماجه والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏,‏ وسمى الجوزجاني عمه الحارث بن عمرو وروى الجوزجاني وابن ماجه بإسنادهما عن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏من وقع على ذات محرم فاقتلوه‏)‏ ورفع إلى الحجاج رجل اغتصب أخته على نفسها فقال‏:‏ احبسوه‏,‏ وسلوا من ها هنا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوا عبد الله بن أبي مطرف فقال‏:‏ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول‏:‏ ‏(‏من تخطى المؤمنين فخطوا وسطه بالسيف‏)‏ وهذه الأحاديث أخص ما ورد في الزنى‏,‏ فتقدم والقول في من زنى بذات محرمه من غير عقد كالقول في من وطئها بعد العقد‏.‏